الفرق بين تمر العجوة والسكري: مذاق وقصة فريدة لكل منهما

10 مارچ 2025
مزرعة نافع
الفرق بين تمر العجوة والسكري: مذاق وقصة فريدة لكل منهما

في سوق المدينة المنورة القديم، وبين أروقة الباعة التي تفوح منها رائحة التمر الطازج، يبرز نوعان من التمور كجواهر ثمينة تحمل قصصًا عريقة. الأول هو تمر العجوة الداكن الذي ارتبط بالتراث النبوي، والثاني هو تمر السكري الذهبي الذي اشتهرت به مزارع القصيم. رغم أنهما يلتقيان في كونهما تمورًا سعودية فاخرة، فإن لكل منهما نكهته الخاصة وملمسه المميز ولونه الذي يفرقه عن الآخر، فضلًا عن مكانته الثقافية والفوائد الصحية التي جعلت منهما ثنائيًا محبوبًا في الأسواق المحلية والعالمية. سنأخذكم في رحلة سردية نستكشف فيها الفرق بين تمر العجوة والسكري بكل أبعاده، من المذاق والقوام إلى الفوائد والاستخدامات، لنتعرف كيف يثريان معًا الثقافة الغذائية في المنطقة والعالم.

المذاق والقوام: حلاوة معتدلة مقابل حلاوة غامرة

يتمتع تمر العجوة بمذاق حلو معتدل أقرب ما يكون إلى نكهة الكراميل الخفيف أو دبس السكر الغني، فلا تطغى حلاوته على الحواس بل تتوازن مع نكهة فاكهية عميقة. عندما تتذوق حبة عجوة، تشعر بانسجام النكهة الحلوة مع ملمس لحمي طري يشبه قوام الخوخ تقريبًا. تذوب العجوة بسلاسة في الفم دون أن تكون لزجة جدًا، وفيها نعومة مميزة تجعل تجربة أكلها أقرب إلى تذوق حلوى طبيعية معتّقة. بعض ثمار العجوة تكون أكثر جفافًا من غيرها – إذ تتوفر منها أنواع طرية وأخرى أكثر صلابة – لكن حتى الصلب منها يبقى طري اللب وسلس المضغ بفضل أليافه الناعمة.

على الجانب الآخر، يقدم تمر السكري جرعة مكثفة من الحلاوة التي تبرر اسمه؛ فكلمة "سكري" تعني حرفيًا شديد الحلاوة. منذ اللقمة الأولى، يفاجئك تمر السكري بحلاوة غامرة تشبه طعم السكر البني أو العسل المركز. قوامه يختلف باختلاف مرحلة نضجه وتجفيفه: في حالة الرطب يكون السكري طريًا جدًا وعصيريًا يكاد يذوب في الفم، أما إذا كان تمرًا مجففًا (يطلق عليه أحيانًا سكري "مفتّل" أو "صلب") فإنه يصبح أكثر مضغًا مع قرمشة خفيفة ناتجة عن تبلور السكريات داخله. هذه القرمشة السكرية تضفي على السكري المجفف نكهة تشبه الكراميل المقرمش. بفضل هذا الملمس المتنوع، يرضي تمر السكري مختلف الأذواق سواء من يفضل التمر الطري أو ذلك الذي فيه قليل من القرمشة. في كلتا الحالتين، يملأ السكري الفم بحلاوة طبيعية غنية قد يعتبرها البعض أشبه بتناول حلوى نوغا شرقية مصنوعة من الطبيعة.

اللون والشكل: الأسود الأنيق في العجوة مقابل الذهبي المتألق في السكري

تمر العجوة يلفت الأنظار بلونه الأسود الضارب إلى البني الغامق والمظهر الأنيق الذي يميزه عن باقي التمور. حجم ثمار العجوة متوسط يميل للصغر وشكلها بيضاوي مكتنز قليلًا، وتُغطى بقشرة رقيقة تحمل تجاعيد دقيقة تمنحها ملمسًا مميزًا. هذه التجاعيد الناعمة على سطح العجوة أشبه بخطوط نقشها الزمن، وكثيرًا ما يقال إن العجوة “متجعدة كجبهة رجل حكيم” في إشارة إلى قدم هذا النوع وعراقته. أما نواة تمر العجوة فصغيرة وداكنة اللون أيضًا، ما يجعل نسبة اللحم إلى النواة عالية ولقمتها ممتلئة. في أسواق المدينة المنورة، تتكدس العجوة في صناديقها كسود اللآلئ، سوداء اللون مع بريق خفيف يوحي بحلاوتها الكامنة.

في المقابل، يتألق تمر السكري بلون يكاد يكون نقيضًا؛ حباته ذهبية أو صفراء فاتحة كأشعة شمس الصحراء. يظهر السكري غالبًا بشكل مخروطي صغير يشبه حبة البندق الملساء من إحدى طرفيها والمدببة قليلًا من الطرف الآخر. سطحه الخارجي ذو قشرة مجعدة بارزة، إذ تتشكل ثنيات وتجاعيد واضحة على جلده الرقيق نتيجة انكماش اللحم السكري الغني بالسكريات عند الجفاف. بعض حبات السكري تحمل تدرجات لونية بين الأصفر الفاتح والذهبي الغامق، وأحيانًا تميل إلى لون كهرماني عسلّي عند النضج الكامل. عند النظر إلى عرجون السكري المعلق في نخيل القصيم، تبدو العراجين وكأنها عناقيد من الكهرمان تلمع تحت أشعة الشمس. هذا اللون الجذاب جعل السكري يحظى بوصف محبّب وهو “التمر الملكي”.

الفوائد الصحية والقيمة الغذائية

إلى جانب اختلاف النكهة واللون، يجتمع تمر العجوة والسكري في كونهما كنزين غذائيين زاخرين بالفوائد. يحتوي كلا النوعين على نسبة عالية من الألياف الغذائية التي تساعد في تحسين الهضم وصحة الأمعاء، إلى جانب تركيز جيد من المعادن الأساسية والفيتامينات. البوتاسيوم والمغنيسيوم والكالسيوم من المعادن البارزة في تركيبة التمر عامة، وهي مفيدة لصحة القلب والعظام والعضلات. كما أن السكريات الطبيعية الموجودة بوفرة في التمرين تمنح الجسم مصدرًا سريعًا للطاقة، مما يجعلهما خيارًا مثاليًا لتزويد الصائمين بالطاقة عند الإفطار في رمضان أو الرياضيين بعد التمرين. ويتمتع تمر السكري بشكل خاص بنسبة سكروز عالية تجعله وقودًا طبيعيًا للجسم، مع احتوائه أيضًا على الكربوهيدرات والمغذيات الدقيقة الضرورية لنشاط الجسم.

أما تمر العجوة فقد نال شهرة خاصة كونه يُعزى إليه فوائد صحية استثنائية في الموروث الإسلامي والطب الشعبي. تشير الدراسات الحديثة إلى غنى تمر العجوة بمضادات الأكسدة مقارنة بأنواع كثيرة أخرى من التمور. هذه المضادات الحيوية الطبيعية تساهم في حماية خلايا الجسم من الضرر التأكسدي وتخفض من عوامل الالتهاب، مما قد يدعم الوقاية من الأمراض المزمنة ويعزز صحة القلب والجهاز المناعي. ولعل هذه الخصائص الصحية المميزة هي ما تناغم مع ما ورد في التراث النبوي عن العجوة؛ فقد روي عن النبي محمد ﷺ قوله في حديث شريف إن “من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يصبه ضرر” خلال يومه. بالطبع لا تغني البركة النبوية عن الحقائق العلمية، لكن من المدهش أن يجمع تمر العجوة بين القيمة الروحية والغذائية معًا. كذلك يُعرف عن العجوة احتواؤها على نسبة جيدة من الحديد، ما يساعد في الوقاية من فقر الدم، إضافة إلى الكالسيوم والمغنيسيوم المفيدين للعظام والأسنان. باختصار، يمكن النظر إلى العجوة كـسوبرفود (Superfood) تراثي يجمع بين الغذاء والدواء.

الاستخدامات والثقافة الغذائية

يحظى تمر العجوة والسكري بأدوار خاصة في الثقافة الغذائية العربية، إذ يتجاوز حضورهما كونه مجرد حلوى طبيعية إلى رموز ضيافة وعادات متجذرة. على مر القرون، ارتبطت العجوة ارتباطًا وثيقًا بالسنة النبوية والتقاليد الدينية. فكثير من المسلمين يحرصون على تناول بضع تمرات عجوة في الصباح اقتداءً بالحديث الشريف وطلبًا للبركة والحماية. وفي شهر رمضان المبارك، تصبح العجوة ضيفًا عزيزًا على موائد الإفطار، حيث يبدأ البعض إفطارهم بها استذكارًا للإرث النبوي بالرغم من أن السنة النبوية عامة هي الإفطار على أي تمر متاح. كذلك تُستخدم العجوة في بعض الوصفات العلاجية الشعبية؛ فمثلًا تُطحن مع حبة البركة أو تؤكل مع قليل من اللبن كمقوٍ طبيعي ومصدر غني بالطاقة. ولكن في العموم تبقى العجوة فاكهة فاخرة يتم الاستمتاع بمذاقها منفردة، ونادرًا ما تُخلط مع مكونات أخرى حفاظًا على نكهتها المميزة. ولعل أهم استخدام ثقافي لتمر العجوة هو كونه هدية ثمينة يجلبها الحجاج والزوار من المدينة المنورة لأهلهم وأحبابهم. فقد اعتاد زوار المدينة على شراء كميات من عجوة المدينة كأحد أرقى الهدايا التذكارية الروحانية، حتى صارت العجوة تُلقَّب بـ"هدية الحج الثانية بعد ماء زمزم" في إشارة لمكانتها لدى زوار الحرمين.

أما تمر السكري فيتجلى حضوره أكثر ما يتجلى في المجالس العربية وكرم الضيافة الخليجية. ارتبط السكري بعادة تقديمه مع القهوة العربية المُرّة، حيث تُقدَّم حباته الذهبية إلى جانب فناجين القهوة

المصادر:

kitchen.sayidaty.net

bateel.com وصف تمر العجوة والسكري من حيث المذاق والقوام واللون

originz.co ذكر محتوى العجوة العالي من مضادات الأكسدة وأهميته الصحية

sabq.org ارتباط تقديم السكري مع القهوة في الضيافة السعودية

spa.gov.sa تمر العجوة كهدية تقليدية للحجاج وزوار المدينة المنورة

saudipedia.com هيمنة تمر السكري في مهرجان بريدة للتمور وإحصاءات الإنتاج المحلي

bateel.com مكانة تمر العجوة كمنتج محدود يرتبط بالموروث الإسلامي ويتم تسويقه عالميًا